عبد المهدي عميل إيراني أم أمريكي؟

اخبار العراق:

صائب خليل

الشيء المتفق عليه بين العراقيين كما يبدو هو ان عبد المهدي “عميل” لجهة اجنبية، إنما هم يختلفون لمن هو عميل؟ إيران أم اميركا؟ وبشكل عام ايضاً، يتفق العراقيون على ان حكوماتهم يتم تعيينها أما من قبل ايران أو أميركا، او باتفاقهما.

وهذا الأمر غريب بحد ذاته، فعندما تقرر ان فلان عميل، تستند عادة الى مواقفه المتحيزة بشدة الى جهة اجنبية محددة، ويقوم بتنفيذ اجندتها بشكل في غير صالح بلده، وبطريقة لا يمكن تفسيرها الا بالعمالة، فكيف نعرف ان الرجل “متحيز بشدة” دون ان نستطيع تحديد الجهة التي يتحيز لها، خاصة انهما مختلفتان في مصالحهما واجنداتهما بشكل كبير؟ وكيف يتفقان على حكومة محددة للعراق إلى الدرجة التي يقومان بفرضها على الشعب العراقي، لتخدم مصالحهما معاً؟

يقول البعض انهما “مختلفان” لكنهما “متفقان على تدمير العراق”، ويبدو لي هذا الأمر متناقضاً وغير منطقي، وسأعود له قليلا في نهاية المقالة، لكن دعونا ننتهي من عبد المهدي اولاً، ومن يخدم، او لمن هو “عميل”؟

وقبل الدخول في التفاصيل، هناك من سيسأل: وهل هناك أهمية لمعرفة من هم اسياد عبد المهدي؟ مادام عميلاً فيجب ان يزاح! وهذا صحيح تماما، معرفة اسياد عبد المهدي لا تقرر لنا ان كان يجب ان يزاح ام لا، لكنها تعطينا معلومة مهمة لما يجري حولنا في البلد.

ويجب ان نلاحظ ظاهرة مميزة في قضية عبد المهدي هي ان الجميع مدرك مسبقاً أن الرجل مقبل على مشاريع تدمير للعراق! لذلك نلاحظ ان الجميع قد ترك لنفسه خط رجعة وانكار لدوره في تنصيبه، وصار كل منهم يلقي بالتهمة على الآخرين! وبالتالي فيمكننا ان نستشف ان عملية تنصيبه كانت عملية احتيال ورشوة وضغوط قام بها من اعد العدة للاستفادة من تنصيبه. لذلك مهم ان نعرف من هو هذا المستفيد الذي يدافع عنه وعن نظامه؟ ما هو الهدف من ذلك الدفاع؟ وهل يمكن ان يعمل اسياده على اسقاطه؟ وإن فعلوا فلماذا؟ وما الذي يريدونه للبلد في هذه الحالة؟

الإجابة عن هذه الأسئلة اعقد بكثير مما يتصور المرء، فالمسيطرون على الوضع في العراق يمتلكون من القدرة على تشويش الصورة واخفاء انفسهم بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، ولهم القدرة على إعطاء انطباع معاكس تماما للحقيقة لضحاياهم، فحتى للقسم الأكثر انتباها من الناس والأكثر استعداداً للقراءة والبحث سيجدون الموقف شائكاً مشوشاً، وأقر أني انا ايضاً لا اشعر بأني اراه بوضوح كاف، واني مستمر بالبحث عن الحقائق بين قصف الأكاذيب والتعتيم والإثارة المستمرة للعواطف، فمع كل ذلك ليس لنا سوى ان نبحث.

في البحث عن موقف عبد المهدي سنركز أكثر على مواقفه مما على ما يقول، إلا حين يكون ذلك القول مؤشرا قوياً لموقف فعلي محدد، وسنهمل ما يقال عنه لأن ذلك مغرق في التشويش من كل الجهات. لننظر إذن الى مواقفه لنقرر من تخدم تلك المواقف، أيران أم أميركا؟ ما هي اهم “منجزات” عبد المهدي ومواقفه؟

1– علاقته بكردستان:
هل خدم عبد المهدي في علاقته بكردستان، ايران أم اميركا؟ هل كانت مواقفه تتماشى مع مواقف ايران من كردستان أم مواقف اميركا منها؟

تحاول ايران ان تتجنب الاصطدام بكردستان وان تكون لها علاقة حسن جوار معها، كما ان لها تبادلات تجارية معها، وكذلك فأن كميات من النفط الذي يهربه قادة ولصوص كردستان، يذهب الى ايران او بمساعدتها، كذلك قامت ايران بدعم كردستان في بعض المعارك ضد داعش، إلا انهما، رغم كل ذلك، اقرب الى الأعداء مما هما الى الأصدقاء.

فالقرب الشديد بين كردستان وعدوا ايران الأساسيين، إسرائيل وأميركا، يجعل من كردستان تهديداً كبيراً لإيران، وقد اشتكت ايران من قواعد تجسس إسرائيلية على حدودها مع كردستان. وان كان هناك أمل في طرد القواعد العسكرية الامريكية التي تهدد إيران، من العراق، فأن ما يوجد منها في كردستان ثابت الى حد بعيد، وفي الصراع على اخراج القوات الامريكية من العراق أيام المالكي، كان النواب الكرد والساسة الكرد، هم الجهة الوحيدة التي كانت تصوت بصراحة لإبقاء تلك القوات.

إضافة الى هذا فأن طموحات كردستان لتشكيل وطن قومي مستقل للكرد يمثل تهديداً لأراضي إيران التي يخطط لانضمامها الى كردستان الكبرى لاحقاً.

مقابل كل ذلك، فأن العلاقة الكردية الأمريكية – الإسرائيلية على افضل ما يرام، وهناك تعاون كبير جدا بينهما أتاح لكردستان ان تبتز من خلاله ساسة العراق كلهم، وللأمريكان مصالح نفطية في كردستان مثل زلماي خليل زادة له حصة في شركات النفط العاملة في كردستان وكذلك هناك مصالح للسفير كالبريث، الذي كان مستشاراً لكردستان في كتابة نصوص الدستور وتعاملهم مع الحكومة العراقية كما كشف بنفسه في كتاب له، وكيف انه هو الذي أسس عملية ابتزاز علمية متصاعدة تقوم بها كردستان حتى اليوم تجاه بقية العراق.

أما علاقة كردستان بإسرائيل فهي علاقة تاريخية طويلة، ولعل افضل ما يعبر عنها تهريب كردستان ثلاثة ارباع حاجة إسرائيل من النفط اليها من العراق، وقد كتبت عن ذلك لمن لم يطلع عليه هنا(1)

إذن، بشكل عام، فكل ما يدعم ويقوي كردستان، يتماشى مع الموقف الأمريكي الإسرائيلي، ويتناقض مع مصالح ايران، فأين يقف عبد المهدي من الموقفين، وأيهما يخدم؟

يعرف العراقيون عن عبد المهدي بأنه تابع مطيع لمسعود بشكل خاص ولقادة كردستان عموماً، وانه قام في اول منصب حكومي له بعد الاحتلال “في حكومة أياد علاوي”، بإطلاق نسبة الـ 17% التي تزيد عن حصة كردستان بمرة ونصف، “كما يقر بذلك الاكراد انفسهم اليوم” وهي البادرة التي بدأت عملية الابتزاز المالي والسياسي الكردستاني للعراق والذي تزايد يوماً بعد يوم.

وفي ولاية المالكي خاض عبد المهدي شخصياً صراعاً مع التيار الصدري، لكي يمنع احتجاجاتهم على تلك النسبة من ان تصل الى قرار برلماني، وقد شرحت ذلك في مقال بعنوان “سر المرشح – كيف عرفت عادل عبد المهدي؟” (2)

واشرت إلى الطاعة الغريبة لعبد المهدي لرغبات ديك تشيني، والتي تحدث عنها عبد المهدي الى محمود عثمان بلا أي خجل
وحين تم تنصيب حيدر العبادي بمؤامرة أمريكية كردية واضحة، وضع عبد المهدي وزيراً للنفط ليوقع لهم على كل ما يريدون، وصار لكردستان أن تبيع نفطها في سوق النفط بعد ان كانت تطاردها شكاوى الحكومة العراقية وتمنع بيع ناقلاتها.

وكلنا يعلم ان عبد المهدي كان عراب الحيلة الوسخة بمنح كردستان رواتب الموظفين دون تسليم أي نفط، وهي وصمة عار ليس فقط على عبد المهدي وساسة الخضراء، بل في الحقيقة على الشعب العراقي كله ان يتم تمرير مثل هذا القرار عليه، ليضاف إلى السرقات الثابتة المعروفة. ولم يقتصر الابتزاز على النفط ونهب الأموال، فلا غرابة ان يعتبر مسعود ان وجود عبد المهدي في الحكم “فرصة لا تعوض”!

تصرف عبد المهدي مع كردستان لا يؤشر انه يتلقى أوامره من إيران، لكن من اميركا وإسرائيل!

2- الموقف من القوات والقواعد الامريكية:
يعلم الجميع ان القواعد الأميركية في العراق مصدر قلق إيراني كبير، مثل مثيلاتها في بقية دول الخليج، وقد ثارت في الأسابيع الماضية مشكلة حين هددت ايران بضرب تلك القواعد ان قامت اميركا باستعمالها لمهاجمتها.

موقف عبد المهدي من القواعد هو زيادتها وزيادة عديد القوات الأمريكية بنسبة لا يعرفها أحد، وان كان هذا مجرد استمرار لما فعله من سبقه سراً، فانه تميز بعلاقة خاصة مع تلك القوات تمثلت بالصور الودية وبالصراحة بالقول انه: “لا علاقة لوجود القواعد الأجنبية بالسيادة”! وهذا في الوقت الذي كانت فيه الفصائل السياسية القريبة من ايران تهدد بتقديم مشروع لطرد القوات الامريكية من العراق!

وحين قصفت إسرائيل الحشد وأعلنت ذلك بنفسها، كان جواب عبد المهدي المدهش: “بالنسبة لإسرائيل وقصف الحشد ليس لدينا أدلة عليها، هناك كلام صحافة. لسنا منظمة ثورية ليكون لنا رد مباشر، نحن دولة!”

لم تحلم إسرائيل برئيس حكومة عراقي يرفض حتى ان يشكوها لمجلس الأمن! وحتى بعد اضطراره لاحقاً الى الإقرار بأنها تقف وراء الجريمة، بعد السخرية الشديدة التي تعرض لها، لم يقدم أية شكوى، وتحمل من اجل ذلك إهانة واحتقار شعبه، مما يدل بوضوح ان أمر الرجل ليس بيده ابداً. ومن الواضح هنا أيضاً ان الرجل لم يكن يتصرف كمن يستلم تعليمات إيرانية لتحديد قراراته، بل أمريكية – اسرائيلية!

3- الاقتصاد والنفط
من المعروف ان اميركا تسعى لفرض الاقتصاد الليبرالي وحرية سوقه، على أي بلد تصل اليه، من خلال عملائها فيه، كذلك تسعى من خلال ادواتها المتمثلة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الى تكبيل البلاد بالديون ثم تحاول اجبارها على بيع مواردها بأسعار رخيصة ابتزازية، لتقضي عليها تماما، والحقيقة ان مشروع عبد المهدي المسمى جزافاً: “شركة النفط الوطنية العراقية” كان مشروعاً مثالياً من مشاريع “القاتل الاقتصادي” المعروفة.

فقد كان يهدف الى حرمان الموازنة من نسبة متصاعدة من النفط، وتبذير تلك النسبة بتوزيعها بشكل لا قيمة اقتصادية له، إضافة الى مشروع “صندوق الأجيال” الذي هو عبارة عن تحويل مبالغ طائلة الى البنوك الغربية بحجة خزنها للأجيال القادمة، وهي مبالغ لن تعود أبداً. كذلك رهن ثروة العراق تحت اسم “شركة” ليتيح للمؤسسات المالية الامريكية وضع اليد عليها بحجة ما! وقد تم إيقاف هذه الكارثة ببسالة بعض العراقيين الشرفاء.

وبدلاً من ان يقوم عبد المهدي بتحجيم الإنفاق لتقليل الدين الذي ورثه من سابقه، فإنه قام بحملة اقتراض غير مسبوقة من هذه المؤسسات المشبوهة! وبدلاً من ان يسعى للخروج من الاقتصاد الريعي من خلال مشاريع التصنيع، كما وعد كثيراً في الماضي، فأنه اغرق البلاد في حالة الاستهلاك والديون، تماما كما تتمنى اميركا من أي بلد تسيطر عليه!

وفي الوقت الذي كان يدعو فيه الى تخفيض إيرادات البلد بحجة “إجباره” على البحث عن موارد غير ريعية، فإنه حين استلم السلطة، سعى لزيادة تصدير النفط بلا حدود، مغرقاً البلد في الاقتصاد الريعي اكثر، وبدون أي سعي للتصنيع. بل أنه حين أراد بناء مصفى نفط، جعله في ميناء العقبة في الأردن!!

ومن الجدير بالذكر ايضاً ان عبد المهدي حين كان وزيراً للنفط، كتب يستهجن “القوانين الجائرة” التي سنها الزعيم عبد الكريم قاسم بوجه شركات النفط! وقد استخدم ذات العبارة التي استخدمتها تلك الشركات في وصف تلك القوانين في ذلك الوقت!
كل هذه المواقف تنم عن رجل يستلم تعليماته من البيت الأبيض، تماما مثل بينوشيت وسوهارتو وبقية عملاء أميركا التاريخيين، ولا يوجد بالمقابل علاقة لإيران بدولة أخرى فرضت عليها اقتصاد سوق او غيره، ولا كان لها شركات نفطية في العراق انزعجت من عبد الكريم قاسم وقوانينه.

وبالرغم من ان عبد المهدي القى لـ “روحاني” بعظمة اقتصادية اسكتته كما يبدو، فان أهم الاتفاقات الاقتصادية الخارجية التي وقعها عبد المهدي، كانت اتفاقية المنطقة التجارية الحرة مع الأردن! وهي اتفاقية مدمرة للاقتصاد العراقي لحساب التجار الأردنيين والتي يتوقع ان تغرق السوق العراقية بالبضاعة الأردنية والإسرائيلية والصينية. للمزيد يرجى قراءة: ” اتفاقية حرية التجارة مع الأردن وركل سلم تصنيع العراق” (3)

إضافة الى ذلك، قام عبد المهدي بتسريع تنفيذ أنبوب النفط للتصدير من ميناء العقبة – قريبا من إسرائيل، وليس من بانياس من سوريا ذات العلاقة مع ايران، رغم ان ميناء بانياس افضل اقتصادياً للعراق من ميناء العقبة واكثر اماناً من ابتزاز إسرائيلي مستقبلي. فمن الذي ضغط على عبد المهدي ليتخلى عن مصلحة العراق في هذا وذاك؟ نستطيع أن نرى المصلحة الامريكية – الإسرائيلية، خاصة في اتفاقية التجارة الحرة مع الأردن وانبوب العقبة، فهما تنفيذ مباشر لما جاء في تعليمات تقرير “مستقبل العراق” الأمريكي، الذي ينص على ان على العراق ان يدعم “الحكومة الصديقة” لأميركا في الأردن!
بالمقابل، نرى ايران تضطر الى ارسال شحنات النفط الى سوريا بطرق بحرية بعيدة وخطرة، وليس من خلال اتفاق مباشر أو غير مباشر من خلال العراق، كما كان سيحدث لو كان من يحكم العراق يأتمر بأمر إيران!

أسئلة متفرقة:
رغم اختلاف اميركا وايران، ألا يمكن انهما يتفقان على تدمير العراق؟
هذه الفرضية تتطلب ان يكون لديهما مصالح “مشتركة” عميقة وبعيدة المدى تمكنهما من وضع استراتيجية عامة مشتركة في المنطقة، وليس اتفاقات متفرقة وقتية كما يحدث كثيراً حتى بين الخصوم. ولا توجد مؤشرات لمثل تلك المصالح بعيدة المدى، بل العكس. وفي الحقيقة لا نستطيع ان نكتشف اية مصلحة لا لأميركا ولا لإيران بتدمير العراق، إلا ان ما يجعل اميركا موضع التهمة هو ان لإسرائيل مصلحة كبيرة في ذلك، وحقيقة ان اميركا تتبع ما يشبه التعليمات الإسرائيلية في السياسة في المنطقة. وقد اتخذت اميركا عدة قرارات لا مصلحة لها فيها ابداً، وانما تنفيذا لأوامر إسرائيلية، خاصة في فترة ترمب.

ماذا عن اتفاقات عبد المهدي مع الصين؟
اعترف انها منطقة غير واضحة تماما بالنسبة لي، لكن افتراض ان تلك الاتفاقات هي بالضد من المصلحة الأمريكية وخروج عنها، افتراض صعب التصديق، لأن كل فعاليات عبد المهدي تشير بوضوح الى اتباع دقيق للاجندة الامريكية الإسرائيلية، ويمكن دائما عقد اتفاقات ثم التراجع عنها وعدم تنفيذها، وانها عقدت لذر الرماد في العيون، مثل الاتفاقات مع ايران.

لكن لماذا تتعاون الصين وايران في هذا؟ الحقيقة انهما لا يستطيعان ان يرفضا. فأولا ليس لديهما دليل على ان الاتفاقات لن تنفذ، وثانياً إن رفضا، فستكون حركة عبد المهدي قد أدت غرضها واظهرت للعالم ان لا احد يتعامل مع العراق سوى الغرب، وبالتالي هو معذور فيه، أنا أرى ان تلك الاتفاقات خارج السياق العام ولذلك اعتقد انها لا قيمة لها.

ماذا عن الأدلة على دفاع الإيرانيين عنه مثل الجوازات الإيرانية؟
انه نفس السيناريو المضحك القديم حين “اكتشفوا” جوازات السفر للإرهابيين المزعومين في 11 سبتمبر وفي احداث أوروبا، حتى سخر الناس منهم بكاريكاتير لإرهابي يقول قبل ان يفجر نفسه: اللعنة! نسيت الباسبورت!!

هناك اخرين يظهرون في الفيديوهات ليؤكدوا أن القناص (الذي لم يروه) إيراني! او انهم يكلمون رجال الأمن فيرد هؤلاء عليهم بالفارسية! وكأن أيران التي تسيطر على الحكومة العراقية كما يقولون، لم تستطع ان تجد عراقيين يعملون لها، او حتى إيرانيين يعرفون العربية ليرسلوهم الى مهماتهم في العراق!! انا اعتقد ان من يخدع بمثل هذه “الأدلة” شخص ميؤوس منه، انها بالحقيقة مؤشرات قوية ان الحقيقة تقف في الجانب الآخر وانهم لم يجدو طرقا افضل للتشويش عليها.

ماذا عن رفض العراق لصفقة القرن؟
قبل ذلك يجب ان نسأل هل رفضت حكومة عبد المهدي فعلا صفقة القرن؟ لو فرضنا ان العراق قبل صفقة القرن، فما هو الدور الذي سيناط به؟ الدور الأهم هو دعم الأردن بالمال تعويضاً له عن التضحيات التي يجب ان يقدمها، تماما كما هو المطلوب من السعودية وبقية دول الخليج! وهذا ما فعله عبد المهدي بالضبط وربما أكثر من حكومة اية دولة عربية أخرى! حكومة العراق “قبلت” صفقة القرن وقامت بواجبها المنوط بها مباشرة دون اعلان ذلك. وعدم الإعلان مفهوم بسبب وضع العراق وتوازن قواه والرفض الشعبي الشديد لمثل تلك الجريمة لذلك فقد نفذت دون إعلانها!

كل المؤشرات اذن تشير بوضوح إلى ان عبد المهدي عميل امريكي إسرائيلي وبشكل تام ومباشر وربما منذ عام 1958 وحتى اليوم. انه ليس وطنياً ولا عميلا مزدوجا كما يحلو للبعض ان يصفه، بل هو عميل امريكي خالص، كما الكثيرين ممن سبقوه الى ذلك الدور في التاريخ. ومرة أخرى أقول ان من نصبه قام بأكبر جريمة في العراق، ويجب ان يحاسب يوماً.

هذا يعني أنه من المستبعد ان تقوم ايران بالدفاع عنه، لكن حكومة روحاني كما ذكرت سابقاً كثيرا ما باعت أوراق العراق لأميركا، على العكس من السيد الخامنئي وجماعته، والذي يتعامل مع الموضوع بمبدئية اكثر حسب تقديري، لذا لا استبعد تعاوناً إيرانيا مع الخطة الامريكية، لكنه يبقى دوراً تابعاً وغير أساسي ولا يمكن ان تلقي ايران بكل ثقلها به، وهو ليس موقف ايران كلها بالتأكيد.

إن كانت هذه المقالة أعطت انطباعاً بأن الكاتب يرى ايران ملاكاً فهذا غير صحيح. ويمكن لمن يحب التأكد مراجعة سلسلة المقالات التي كتبتها في انتقاد السياسة الإيرانية، والتي يمكن ان تسلط الكثير من الضوء على المواقف الإيرانية وتوضحها ايضاً، وخاصة فكرة ان ايران ليست واحدة، وان هناك صراعاً بين خندق خامنئي وخندق والليبراليين التجار بقيادة روحاني الذي اعتبرته غورباتشوف الثورة الإسلامية في ايران.(4)

هل يمكن ان يسعى الامريكان لتحطيم حكومة عميلهم؟ نعم بالتأكيد، ان شعرت إسرائيل بأن ذلك التحطيم يخدمها اكثر مما يستطيع ذلك العميل ان يخدمها، وارسلت تعليماتها بذلك. إنها اللاعب الوحيد في رأيي الذي له مصلحة في ذلك التحطيم، وقد تشمل الخطة إزاحة عبد المهدي إن امكن ان يتم ذلك تحت سيطرتها وإمكانية قيادتها البلد الى النهاية التي قادت سوريا وليبيا ومصر اليها.

وأتمنى ان تسهم هذه المقالة في رؤية الحقيقة في هذا الوقت الشديد التشويش، فحقيقة عبد المهدي تشير لنا من وماذا يجب ان نصدق وما نكذّب، وإلى من يجب ان يوجه اللوم وما العمل. هذه المقالة لا تضيء الا زاوية مهمة من الوضع الشائك، وما زال الكثير من الوعي والجهد مطلوباً بشدة من العراق لبقائه على قيد الحياة.

وكالات

848 عدد القراءات
0 0 votes
Article Rating
Posted in مقال.
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments